الجمعة، 29 مارس 2013

السيدة نفيسة .. كريمة الدارين


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرض والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
ثم أما بعد :
                    تحية طيبة لكل الإخوة مشرفين وأعضاء ورواد منتديات ستار تايمز وبالأخص منتدانا الحبيب
~ منتدى سير الأنبياء واعلام الأمة ~

السيدة نفيسة .. كريمة الدارين
عابدة.. زاهدة.. قانتة لله.. مُجابة الدعوة.. اجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة.. هي السيدة المكرمة الصالحة ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد بن سبط النبي صلى الله عليه وسلم
 الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، العلويّة الحسنية، صاحبة المشهد الكبير المشهور في القاهرة. ويضيف الإمام الذهبي -رحمه الله-: "وقيل: كانت من الصالحات العوابد...
 ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولا يجوز ممّا فيه من الشِّرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس دعاة العُبيدية (الإسماعيلية)".
السيدة نفيسة .. ولادتها ونشأتها

ولدت يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول عام مائة وخمسة وأربعين هجرية (145هـ) بمكة المكرمة، وبقيت فيها حتى بلغت خمسة أعوام. أتمت حفظ القرآن الكريم وهي في الثامنة من عمرها.
 صَحِبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة، فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتتلقى العلم من علمائه وشيوخه، حتى حصلت على لقب "نفيسة العلم" قبل أن تصل لسن الزواج،
 وحجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية. وكان أخوها القاسم رجلاً صالحًا زاهدًا خيِّرًا، سكن نيسابور، وله بها عَقِب، منهم السيد العلوي الذي يروي عنه الحافظ البيهقي.
زواج السيدة نفيسة

تزوجت "إسحاق المؤتمن" ابن 
جعفر الصادق -رضي الله عنه- في شهر رجب سنة 161هـ، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحُسَين، وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارَيْن،
فالسّيدة نفيسة جدُّها الإمام الحسن، وإسحاق المؤتمن جدّه الإمام الحسين -رضي الله عنهما-. وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم. وكان إسحاق مشهودًا له بالصلاح.
زهد السيدة نفيسة
كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدّها صلى الله عليه وسلم، وكانت الآخرة نصب عينيها، حتى إنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا،
 وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاءً شديدًا.
وكان لأخيها يحيى (المتوّج) بنت واحدة اسمها (زينب) انقطعت لخدمة عمتها، تقول: خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا، فما رأيتها نامَت بلَيل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق، فقلت لها:
 أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت: كيف أرفُق بنفسي وأمامي عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟ وكانت تقول: كانت عمتي تحفَظ القرآن وتفسِّره، وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي.
السيدة نفيسة في مصر

وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت في 26 رمضان 193هـ قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات، واستقبلها أهل مصر بالتكبير والتهليل، وأخذوا يقبلون عليها يلتمسون منها العلم
حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: "كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي،
وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى".
ففزع الناس لقولها، وأبَوا عليها رحيلها، فخرج الألوف... بل المدينة كلها تتوسط لدى زوجها لتقبل البقاء بينهم، ولا تغادرهم. حتى تدخَّل والي المدينة "السَّري بن الحكم بن يوسف"
 فوهبها دارًا واسعة، ثم حدد يومين أسبوعيًّا يزورها الناس فيهما؛ طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ للعبادة بقية الأسبوع، فقبلت السيدة "نفيسة العلم" وساطة أهل مصر، ورضيت وبقيت بينهم.
قدر السيدة نفيسة عند الأمراء
يُروى أن أعوان أحد الأمراء قد قبضوا على رجل من العامة ليعذِّبوه، فبينما هو سائر معهم مرّ بدار السيدة نفيسة فصاح مستجيرًا بها، فدعت له بالخلاص قائلة: "حجب الله عنك أبصار الظالمين".
 ولما وصل الأعوان بالرجل بين يدي الأمير، قالوا له: إنه مرَّ بالسيدة نفيسة فاستجار بها وسألها الدعاء فدعت له بخلاصه، فقال الأمير: "أوَبلغ من ظلمي هذا يا رب؟ إني تائب إليك وأستغفرك".
 وصرف الأميرُ الرجلَ، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على الفقراء والمساكين.
السيدة نفيسة .. سيدة الثورة
يذكر المؤرخ أحمد بن يوسف القرماني في تاريخه أن السيدة نفيسة -رضي الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة، فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه،
 فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخوّلتم ففسقتم، ورُدَّت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة،
لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلِّمون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون"!
يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته.
وصية الإمام الشافعي رضي الله عنه

لمَّا وفد الإمام الشافعي -رضي الله عنه- إلى مصر، توثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره،
 وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء. وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204هـ،
 وصلّت عليها إنفاذًا لوصيته.
وفاة السيدة نفيسة
أصاب السيدة نفيسة المرض في شهر رجب سنة (208هـ) مائتين وثمانٍ للهجرة، وظلَّ المرض يشتَدّ ويقوَى حتى رمضان، فبلغ المرَضُ أقصَاه، وأقعدَها عن الحركة،
 فأحضَروا لها الطبيبَ فأمرها بالفِطر، فقالت: "واعجبًا، منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن؟! هذا لا يكون".
ثم راحت تقرأ بخشوع من سورة الأنعام، حتى وصلت إلى قوله تعالى:
لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 127] ف
غُشي عليها. تقول زينب -بنت أخيها- فضممتُها إلى صدري، فتشهدت شهادة الحق، وصعدت روحها إلى باريها في السماء.
فبكاها أهل مصر، وحزنوا لموتها حزنًا شديدًا، ولقد أراد زوجها أن ينقلها إلى البقيع عند جدّها صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل مصر تمسّكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأَبَى
 ولكنه رأى في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، فدفنها في قبرها الذي حفرته بنفسها في مصر.
وكان يومُ دفنِها يومًا مشهودًا ازدحَم فيه الناسُ ازدحامًا شديدًا.. ولا يزال قبرها إلى يومنا هذا يُزار..
رضي الله عن السيدة نفيسة الطاهرة الشريفة، نفيسة العلم وكريمة الدارَيْن.
 اللهم اجمعنا بها في جنات النعيم مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقًا. والحمد لله رب العالمين. 

وزير الشباب والرياضة المغربي لkooora شعرت بالإهانة بعد خسارة الأسود أمام تنزانيا

في حوار حصري خص به موقع  أكد محمد أوزين وزير الشباب والرياضة المغربي ، أن خسارة الأسود امام تنزانيا كانت مكلفة كثيرا من الناحية المعنوية وهو ما جعله يشهر بالإهانة كأي مواطن مغربي ، مضيفا أنه لا أحد كان يتوقع سيناريو بمثل الرعب الذي عاينه الجميع بدار السلام.

أوزين اختصر أزمة الكرة المغربية في الشرخ الحاصل بالمنظومة وعلى أن الخراب الذي حل ببيت الأسود ما هو إلا جزء من حالة الإنهيار التي ينبغي تداركه بعدما نبه إليه سابقا.

قدمت الكثير من الوعود للرأي العام المغربي والذي مل  الانتظار لمزيد من الوقت بإجراء بعض التغييرات في مراكز قرار تخضع لوصاية وزارتكم ، أين بلغت جهودكم ؟

محمد أوزين : إذا كنا قد تحملنا كل هذه السنوات ومعها  تلقينا العديد من الضربات الموجعة ، دون أن يكون هناك تغيير فعلى الأقل هذه المرة هناك بوادر أمل لزعزعة الوضع المتكلس والذي تجمد بفعل القفز على الشرعية منذ سنوات.
إننا نشتغل ونتحرك في اتجاه وضع الأرضية الأولى لإجراء التغيير المطلوب وهو اتجاه تهييء القوانين الجديدة التي تلائم المرحلة ، وبعدها سيكون لنا حديث عن زمن وتوقيت انعقاد الجمعية العمومية لكرة القدم لأنها القاطرة التي تجر باقي الرياضات.

لا يجب أن ننسى أني وبعد وصولي حركت المياه الراكدة تحت عدد مهم من الاتحادات وهذا ليس بالشيء السهل ، لأنها عرفت تغييرات كبيرة.
 
 
كتبت على حائطك الشخصي بشبكة التواصل الإجتماعي عبارة دلت على اقتراب التغيير بعد مباراة تنزانيا، هل لك أن تطلعنا بداية على شعورك كمواطن قبل أن تكون وزيرا بحجم الهزة عقب خسارة أمام منتخب من هذا العيار؟

محمد أوزين : أنت تقول ما هو شعورك كمواطن مغربي و أنا لا يمكن أن اختلف عن باقي المواطنين الذين أحسوا بالمهانة والذل بعد خسارة لا أقول عنها كما يروج البعض على أنها واردة في كرة القدم ، لكنها غير مقبولة أمام منتخب لا يتوفر على اعتمادات بالحجم الذي نتوفر عليها هنا.
كان من الممكن في إطار الروح الرياضية وقبول الخسارة أن نتجرعها لو تمت بغير الطريقة التي تابعها الجميع والتي عكست انهيارا غير مقبول للاعبينا.
 
لمن تحمل مسؤولية هذه الخسارة؟

محمد أوزين : لا يروق لي ربط الانتكاسات بالأشخاص لأن المنظومة مشروخة وهي من يتسبب في كل هذه المهازل..
لذلك سنشتغل على تغيير المنظومة وإجراء تغييرات جذرية في هذا الصدد ، لا يمكن أن أقدم تصورات للسيناريوهات المحتملة لكن ما هو مؤكد عندي هو أن التغيير قادم والجمعية العمومية سيدة نفسها وهي من ستفرض الأمر الواقع في نهاية المطاف.
 
هل كان لك لقاء مع رئيس الإتحاد لتداول واقع الكرة المغربية بعد نكسة تنزانيا؟

محمد أوزين : بالفعل كان هناك تشاور وتنسيق وهذا أمر دائم بيننا لتوحيد وجهات النظر وتبادل المواقف ، أمام ما حصل الإجماع قائم على ضرورة إجراء التغيير.

لمن ترجع أسباب المظهر السلبي للمنتخب المغربي على الرغم من كل الجهود التي بذلت بتغيير المدربين و تنويع اللاعبين؟

محمد أوزين : لا يمكن لسياسة تقوم على أساس إجراء إصلاحات غير عميقة أن تعطي أكلها ، قلت مرارا ولم يتفهم البعض ما أشرت إليه من أن النتائج الصغيرة التي يتحصل عليها المنتخب المغربي خلال فترات متباعدة من الزمن لا يمكن أن تقود للإرتقاء في سلم التصنيف.

 قلت إنه لا توجد لدينا أمجاد كبيرة في كرة القدم و لقب قاري وحيد لا يعكس حقيقة أننا منتخب له تقاليد عريقة وأغلب الإنجازات الفردية سواء الحصول على كرات ذهبية أو احتراف اللاعبين ، ليس هو المطلوب ولا هو الغاية التي يترجاها الجمهور المغربي.
الأسباب ألخصها في ضرورة الانتصار للشرعية ولإعادة الديموقراطية لاتحاد الكرة وباحترام الأندية لدفتر التحملات والإشتغال على سياسة تكوين الناشئين.

على بن أبي طالب - رضي الله عنه -


(35 - 40 هـ)
نسـبه:هو علي بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة – رضي اللّه عنها- وهو رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة – ولد قبل البعثة بعشر سنين-(1) أبو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف – ويلقب علي – رضي اللّه عنه – بأبي السبطين (2) يعني الحسن والحسين ويكنى أبا الحسن – ولقبه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - بأبي تراب – فقد روى البخاري أن علياً دخل على فاطمة ثم خرج فاضطجع(3) في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص(4) الترابُ إلى ظهره. فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: اجلس يا أبا تراب. مرتين(5).

إسـلامه:كان علي – رضي اللّه عنه – أول من أسلم من الصبيان وكان يعيشِ في كنف(6) الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كفله وتولى تربيته ليخفف عن عمه شيئاً من مؤونة العيال وحينما بُعِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم كان علي لا يزال في حجره فدعاه إلى الإِسلام فآمن به وصدقه(7) وكان له من العمر ثـماني أو عشر سنين(8).
صفاته الخلقية:كان- رضي اللّه عنه- عالماً ذكياً اشتهر بالفصاحة والشجاعة والمروءة والـوفـاء واحترام العهود، وكان- رضي اللّه عنه- يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ويعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن، وكان يُعظِّم أهل الدين وُيقرِّب المساكين وكان يخاطب الدنيا فيقول: عمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك قليل آه آه من قِلَّة الزَّاد وبُعْد السفر ووحشة الطريق(9).
فضـله:فضائل علي- رضي اللّه عنه- كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مني وأنا منك"(10) وقول عمر بن الخطاب – رضي اللّه عنه – توفِي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض(11). وفي غزوة خيبر حينما استعصى على المسلمين حِصْنَان – قال النبي صلى الله عليه وسلم -: " لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح اللّه على يديه" قال فبات الناس يدوكون(12) ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟

فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللّه. قال: فأرسلوا إليه فأتوني به، فلما جاء بصق في عينيه، ودعا له. فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ففتح اللّه عليه(13).
تضحيتـه بنفسـه:كان علي- رضي اللّه عنه- كأفاضل الصحابة لا يبالي حين يُقَدَّم أيَّ شيء في سبيل هذه الدعوة فقد ضَحَّى بنفسه وماله، فهو- رضي اللّه عنه- أول من فدى(14) بنفسه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فقد نام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة مع أنه يعلم أن المشركـين قد اتفقوا على قتل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم واشترك - رضي اللّه عنه- في جميع الغزوات عدا غزوة تبوك(15).
خـلافته:بعد مقتل عثمان- رضي اللّه عنه- اختاره المسلمون أميراً لهم فلم يقبل وأحب أن يكون وزيراً بدل أن يكون أميراً إلا أن الصحابة أصروا عليه للخلاص من المأزق الذي كانوا فيه فقد كان الثوار هم المسيطرون علىِ زمام(16) الأمور في المدينة بعد قتلهم الخليفة عثمان – رضي اللّه عنه – ظلماَ وعدواناً بل هدد الثوارُ أهلَ المدينة بقتل أهل الشورى وكبار الصحابة، ومن يقدرون عليه من دار الهجرة إن لم يجدوا أحداً يقبل الخلافة وقالوِا دونكم يا أهل المدينة فقد أَجَّلْنَاكـم يومين فواللّه لئن لم تفرغوا لنقتلن غداَ علياً وطلحة والزبير وأناساً كثيرين، ولما عزم عليه المهاجرون والأنصار رأى ذلك فرضاً عليه فانقاد إليه - وفي يوم السبت التاسع عشر من ذي الحجة خرج علي- رضي اللّه عنه- إلى المسجـد فصعد المنبر فبايعه المهاجرون والأنصار وكان ممن بايعه الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد اللّه(ّ17).

أهم أعمال علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- بعد تَولّيه الخلافة:-شاء اللّه تعـالى أن تطول الفتنـة بعد مقتل عثمان- رضي اللّه عنه- وتتجدد أحداثها بمكر وحيل أعداء الإِسلام ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين فهو سبحانه حكيـم في قضائه عليـم فـي أقداره، فبعد أن بويع عـلي - رضي اللّه عنه- بالخلافة قام علي- رضي اللّه عنه- بـما يلي:
أولاً: عَزَلَ عليٌ – رضي اللّه عنه- أمراء عثمان الذين يشتكي منهم الناس وعزل أيضاً من لا يتفق مع سياسته.
ثانياً: أجّـل علي – رضي اللّه عنه – معاقبة قتلة عثمان ريثما يستقر حكمه يجتمع عليه المسلمون في البلاد الأخرى(18).
موقف بعض الصحابة- رضي اللّه عنهم- من هذه الأعمال:استجاب بعض الأمراء لهذا العزل ولم يستجب قسم منهم من بينهم أمير الشام معاوية بن أبي سفيان- رضي اللّه عنه- مع اعترافه بفضل علي - رضي اللّه عنه- وتسليمه بجلالة قدره.
وكان سبب عدم استجابته- رضي اللّه عنه- هو إصراره على ضرورة القصاص من المجرمين قبل البيعة، وهذا هو بداية الخلاف، وما جرى بين علي ومعاوية- رضي اللّه عنهما- كان مبنياً على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإِمامة(19) لذلك قرر أهل السنة والجماعة أن كلاهما مأجور للمصيب أجران وللمخطىء أجر واحد كـما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"(20).

وقد نتج عن استغلال الحاقدين(21) لهذا الخلاف حربان مؤسفتان بين المسلمين دفاعاً عـما يعتقده كل فريق من الحق والصواب فكانت الأولى: 
معركة الجمل (36هـ) : (22)
وسببها "أن عائشة- رضي اللّه عنها – ومعها طلحة والزبير – رضي اللّه عنهما- ساروا إلى البصرة ومعهم كثير من الناس بنية تأليف القلوب وتهدئة الوضع المضطرب والإصلاح بين الناس حينما اختلفوا بعد استخلاف علي – رضي اللّه عنه- ممتثلين بذلك قوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}(23) وبعد أن سمع علي بخـروج عائشـة- رضي اللّه عنهـا- إلى البصرة خرج بجيشـه يريد الإصلاح أيضاً بدليل قوله- رضي اللّه عنه- عندما سئل أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب؟ فقال: أما الذي نريد ونَنْوي فالإصلاح إِن قَبِل مِنَّا أصحـاب عائشـة وأجابوا لنا إليه قال: فإنَ لم يجيبوا إليه قال: ندعهم بعـذرهم ونعطيهم الحق ونسير. قال: فإن لم يرضوا. قال: ندعهم ما تركونا. قال: فإن لم يتركونا. قال: امتنعنا منهم. قال: أي السائل فنعم إذن(24) ودار الحوار والتفاهم بينه وبين عائشة- رضي اللّه عنها- ومن معها وبات الجيشان بخير ليلة ولكن أهل الفتنة- عبد اللّه بن سبأ ومن معه- خافوا على أنفسهم من الاتفاق بين الطرفين فقاموا مع الفجر وانقسموا قسمين وهجم كل قسم على معسكر الآخر، فقام الناس إلى سلاحهم وهم يظنون الغدر واشتبك المسلمون في قتال مرير حتى عُقِر جمل عائشة - رضي اللّه عنها- فتفرق الناس وانتهت المعركة ورجعت عائشة إلى مكة بعد أن جهزها علي- رضي اللّه عنه- بكل ما تحتاج وسار بجانب هودجها(25) ماشياً حتى خارج المدينة وسَيَّر معها أخاها محمد بن أبي بكر وسيّر أولاده معها مسيرة يوم(26).

والثانية: معركـة صفين سنة 37 هـ:وهي المعركة الثانية نتيجة لهذا الخلاف الذي وقع بين علي ومعاوية - رضي اللّه عنهما- واستغله الحاقدون وسبق أن بينّا أسباب هذا الخلاف، كان أصحاب علي- رضي اللّه عنه- وأصحاب معاوية- رضي اللّه عنه- قد تكاتبا مدة ستة أشهر قبل المعركة وهذا يدل دلالة واضحة على كرههما - رضي اللّه عنهما- للقتال ورغبتهما في الإِصلاح ولكن لم يتوصلا إلى نتيجة خلال هذه المدة فبدأت المعركة بالخطوات التالية:

أولاً: مناوشات(27) بين الطرفين:
وذلك من أجل الماء الذي كان تحت سيطرة جيش معاوية- رضي اللّه عنه- فتقاتل الفريقان وانتصر جند علي وأزحوا جند معاوية عن مواقعهم فأمر علي- رضي اللّه عنه- أصحابه أن خذوا من الماء حاجتكم وخلوا عنهم(28).
ثانياً: بدأ القتال بين الطرفين بقوة مختلفة دون أن يظهر انتصار حاسم لأي فريق وإن كانت الكفة راجحة لصالح علي- رضي اللّه عنه- ومع ذلك كان الكثير من أفراد الجيشين يلتقون في الليل(29) ويتحدثون.
نهاية الأحداث وحقن الدماء بين أهل العراق وأهل الشام:
خاف المخلصون أن يُفْنيَ المسلمون بعضهم بعضاً فتمنوا ما ينقذهم ويوقف القتال وكان عمرو بنَ العاص- رضي اللّه عنه- يفكر ملياً بذلك حتى اهتـدى إلى فكرة التحكيم ليوقف تلك المقتلة الكبرى عند ذلك أبـدى الفكـرة لمعـاوية- رضي اللّه عنـه- ففـرح بها ورفـع جيش الشام المصاحف فهاب جيش علي- رضي اللّه عنه- قتالهم وتوقف القتال وتفرق الجيشان بعد مسألة التحكيم(30) ومضى كلٌ إلى بلده.

استشهاد علي - رضي اللّه عنه -:استشهـد – رضي اللّه عنـه – في السابع عشر من شهر رمضان سنة 40هـ علىِ يد أحد الخوارج(31) واسمه عبد الرحمن بن مُلْجم الذي ظن أنه بقتله علياَ- رضي اللّه عنـه- يتقـرب إلى اللّه فقـد اجتمَع مع زميلين له وتذاكروا الأحداث(32) التي جرت بين المسلمين- فقالوا: يا ليتنا نقتل أئمة الضـلالـة ونريح منهم البلاد فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا أكفيكم علياً، وقال زميله البرك بن عبد اللّه: وأنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص. واتفقوا على أن يكون ذلك في ليلة واحـدة وقـد تمكن عبد الرحمن بن ملجم من قتل علي- رضي اللّه عنه- بسيف مسموم عندما كان ذاهباً لصلاة الفجر وهو ينادي الصلاة الصلاة بينـما فشـل زميلاه في قتـل معاوية وعمرو بن العاص، فرحم اللّه أمير المؤمنين رحمة واسعة وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء(33).

عـام الجماعـة سنة 41 هـ:بايع أهـل العراق الحسن بن علي -رضي اللّه عنه- في اليوم الذي استشهـد فيه علي- رضي اللّه عنـه-، وبلغ معاوية- رضي اللّه عنه- أن الحسن يعبئ له الجيوش لمواصلة قتاله فعبأ جيشه تحسباً واحتياطاً للأمور فقد روى البخاري في صحيحه عن الحسن البصري قال: "استقبل واللّه الحسنُ بن علي معاويةَ بكتائب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تُوَلّىِ حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية: أي عمرو إنْ قَتَـل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمـور النـاس؟ ومن لي بأبنائهم؟ ومن لي بضيَعِهم؟ فبعث إليه (أي: إلى الحسن) رجلين من قريش من بني عبد شمس وهما عبد الرحمن بن سمرة، وعبد اللّه بن عامر. فقـال: اذهبـا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له وأطلبا إليه (أي: الصلح) فَأَتَياَه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه. فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمـائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟ (أي: يكفل لي هذا) قالا: نحن لك به فـما سألهـما شيئاً إلا قالا: نحن لك به فصالحه وتنازل له "(34) وهكذا انتهت الفتنة وأصلح اللّه بين المسلمـين بالحسن- رضي اللّه عنه- لدينه وعقله وتقواه فتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه "إن ابني هذا سيد ولعل اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)(35).

عثمان بن عفان - رضي الله عنه -


(23 - 35 هـ)
نسـبه:هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الأموي ثالث الخلفاء الراشدين يكنى أبـا عمـرو. ويلقب بذي النـورين لأنه تزوج بنتي رسول اللّه صلى الله عليه و سلم رقية وتوفيت بعد غزوة بدر، ثم أم كلثوم وتوفيت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم (1).

إسـلامه:أسلم – رضي اللّه عنه – وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، وهو أحد العشرة الأوائل الذين دخلوا في الإِسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. وإسلام عثمان كان بدعوة من أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- فقد كان أبـو بكـر الصديق يدعو إلى الإِسلام من يَثِقُ به من قومه ممن يغشاه(2) ويجلس إليه فأسلم على يديه: الـزبـير بن العـوام، وعثـمان بن عفان، وطلحـة بن عبيـد اللّه، وسعـد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف - رضي اللّه عنهم- فانـطلقـوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و سلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإِسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإِسلام فآمنوا(3).

صفاته الخُلُقية وفضله:عرف عثمان- رضي اللّه عنه- بالكرم ولين(4) الطبع(5)، وعرف بالحياء فـما كان يُعْرَف أحد أشد حياء منه حتى كان رسول اللّه صلى الله عليه و سلم يستحي منه إذ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة"(6).
وعن فضله- رضي اللّه عنه- روى قتادة أن أنساً- رضي اللّه عنه- قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداَ ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف فقال: اُسْكُن أُحد- أظنه ضربه برجله- فليس عليك إلا نبي وصدِّيق وشهيدان(7).
وعن ابن عمـر- رضي اللّه عنهـما- قال: "كنـا في زمن النبي عن لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم"(8). وفي السنة السادسة للهجرة بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى قريش مفاوضاً عنه وذلك عندما منعت قريش دخول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة: فبعثه صلى الله عليه وسلم إلى زعماء وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت للحرب وإنه إنـما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته فخرج عثمان مخاطراً بنفسه إلى مكة حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (9).

تضحيته بمـاله:لقـد ضرب الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه- أروع الأمثلة في نصرة الإِسلام وإعلاء كلمته فكان أجود المسلمين حيث يَجدُّ الجَدُّ ويدعو داعي الجهـاد. روى الترمذي عن عبد الرحمن بن سمُرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينـار حين جهز جيش العسرة فنثرها فِى حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم " مرتين(10) (11).
ومن مآثره - رضي اللّه عنه - أنه حفر بئر رُومَة فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يحفر بئر رومة فله الجنة"(12) فحفرها عثمان- رضي اللّه عنه- وجعلها للمسلمين.

البيعة لعثمان بالخلافة:لما طعن عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه – بيد أبي لؤلؤة المجوسي طلب بعض المسلمين منه أن يعهد بالخلافة لمن يرتضيه ويختاره فتردد عمر ثم قال: إن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني وإن أترك فقد ترك من هو خير مني - يريد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر عمر- رضي اللّه عنه- ستة رجـال كانـوا يتميزون بحب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ورضاه عنهم أكثر من غيرهم وهم: علي، وعثـمان بن عفـان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقـاص، والزبـير بن العـوام، وطلحة بن عبيد اللّه، وطلب إليهم أن يجتمعوا بعد وفاته ليختاروا واحداً منهم، وقد اجتمع هؤلاء النفر بعد وفاة عمر، وانتهى الرأي الأخير إلى اختيار عثمان - رضي اللّه تعالى عنه -(13) فبايعه المسلمون بالإِجماع.


أهـم أعماله:
أولا: جمع المسلمين في قراءة القرآن على حرف قريش:
انتشر الإِسلام وعَمَّت الفتوحات الإسلامية ودخل في الإسلام أقوام من غير العرب فخشي بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و سلم من اختلاف الناس في قراءة القـرآن أو تحريف شيء من القرآن لفظاً أو أداء(14)، فقد قدم حذيفة بن اليمان على عثمان، وكان حذيفة يغازي(15) أهل الشام في فتح أرمينيا وأذربيجان(16) مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثـمان، وأمر عثـمان بنسخ القرآن بلسان قريش حتى إذا نسخت الصحف في المصاحف أرسل إلى كل أفق(17) بمصحف مما نسخ وأمر بـما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق(18).
ثانيا: تأسيس البحرية الإسلامية:استأذن معاوية بن أبي سفيان - رضي اللّه عنه - والي الشام الخليفة عثـمان – رضي اللّه عنـه – في تأسيس أسـطول(19) بحري لصـد غارات الأسطول البيزنطي على سواحل الشام ومصر فأذن له، فأعد معاوية أسطولاً قوياً تمكن به من فتح جزيرتي قبرص ورودس في البحر المتوسط كـما نازل الأسطول الإِسلامي الأسطول البيزنطي عام 34هـ فانتصر عليه في معركة ذات الصواري(20) قرب الإِسكندرية مع أن الأسطول البيزنطي كان أكثر عدداً وتجهيزاً من الأسطول الإسـلامي وعرفت المعركة بهذا الاسم- ذات الصـواري- لأن صواري سفن المسلمـين والروم ربطت بعضها ببعض(21


الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان - رضي اللّه عنه -:
فتـح المغرب وبلاد النوبة: (22)
زحفت جيوش المسلمين في عهد عثمان بن عفان – رضي اللّه عنه - إلى بلاد النوبة جنوب مصر، وتمكنوا من فتحها وضمها إلى الدولة الإسلامية كـما تابع المسلمون فتوحاتهم في بلاد المغرب ونشروا الدعوة الإِسلامية في انحائها ووصلت جيوشهم إلى سهول تونس واصطدموا مع قوات الروم فيها وهزموهم وأصبحت المنطقة كلها من برقة(23) إلى تونس خاضعة للدولة الإِسلامية في عهد عثمان- رضي اللّه عنه-(24).

فتـح بلاد فارس:امتدت رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه- حتى وصلت شرقاً إلى بحر قزوين آسيا ومازال المسلمون يطاردون ملك الفرس (يزدجرد) حتى قتل في بلده مرو(25) من بلاد فارس وانتهت بموته دولة فارس.


استشهاد الخليفة عثمان - رضي اللّه عنه -:كان الخليفـة عثـمان- رضي اللّه عنـه- ذا صفـات كريمة وأخلاق فاضلة، فقـد كان- رضي اللّه عنـه- ليّنا رحيما وعطوفا كريـما فطمع فيه أصحـاب الأنفس الضعيفة والكارهون لدين اللّه القويم فمن هؤلاء: عبد اللّه بن سبأ وهو يهودي أسلم زمن عثمان نفاقاً فبدأ يطوف في بلدان المسلمين وكان كلما وصل إلى بلد يحكي كذباً عن ظلم عثمان للبلد الآخر حتى ترك كل قطر(26) يظن أنـه بخير وأنه أفضل حالا من القطر الآخر وأقنعهم أن علياً- رضي اللّه عنه- أحق بالخلافة من عثمان فجاءت وفود من البصرة، والكـوفة، ومصر قائدهم عبد اللّه بن سبأ وقابلهم الخليفة عثمان وعلي- رضي اللّه عنهما- وواعداهم خيراً إذا هم دعوا إلى بلادهم فبدأت هذه" الوفود بالخروج من المدينة إلا أنهم رجعوا مرة أخرى إلى المدينة بحجة أن عثمان كتب إلى والي مصر يأمره أن يقتل الوفد الذي جاء إلى المدينة من أهل مصر. وعثمان- رضي اللّه عنه- بريءُ من هذا الكتاب وإنما زُوِّر عليه، وكان حامل هذا الكتاب المزُوَّر يسير على مقربة من أهل مصر يتعرضهم(27) حتى قالوا له: ما لك؟ إن لك لأمراً ما شأنك؟ فقال: أنا رسـول أمـير المؤمنـين إلى عامله بمصر ففتشوه فإذا هم بالكتاب المزور وواضح أن هذا الرجل كان قاصداً أن يُعْرفَ فرجعوا إلى عثمان وطلب عثمان التحقيق في هذا الكتاب إلا أنهم أبوا وقالوا: قد أحل اللّه دمك وأحاط الثوار بيت عثمان وقد حاول كثيرٌ من الصحابة وأبنائهم الدفاع عن عثمان إلا أنه كان يقسم عليهم أن يلقوا سيوفهم وهجم الثوار على الخليفة فضربـه رجـل مصري من بني سدوس يقال له: جَبْلة- أي: الرجل الأسـود- بسيف وهو يقرأ القرآن(28) فاتقاه عثمان- رضي اللّه عنه- بيده، فقطعها والمصحف بين يديه فنضـخ(29) الـدم على قولـه تعـالى: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فسقط المصحف من يده فقال عثمان: أما واللّه إنها لأول كفٍّ خطتِ المُفَصَّل(30) - وذلك أنه كان من كتبة الوحي وهو أول من كتب المصحف من إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و سلم. فجاءت زوجتـه نائلة تحجـز عنـه فتعمَّـدهـا أحد المجرمين فضرب يدها فقطع أصابعها. ثم ضرب عثمان فقتله. وكان استشهاده- رضي اللّه عنه- يوم الجمعـة الثـامن عشر من ذي الحجة عام 35هـ(31).فرحم اللّه أمير المؤمنين رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

عـمر بن الخطاب – رضي الله عنه -


نسبه ومولده:
هو عمر بن الخـطاب بن نفيل بن عبد العـزى بن رباح من بني عدي بن كـعب. إحدى عشائر قريش يجتمع نسبه مع الرسول صلى الله عليه و سلم في الجدِّ السابع (وهو كـعب بن لؤي).
كان من أشراف قريش وساداتها وإليه كانت سفارة قريش فهو سفيرهم إذا نشبت الحرب بينهم أو بينهم وبين غيرهم.
ويكنى أبا حفص ويلقب بالفاروق. لقَّبه بذلك النبي صلى الله عليه و سلم، وُلِد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وكان شديداً على المسلمين ودعا له النبي صلى الله عليه و سلم بالهداية فأسلم في السنة السادسة من البعثة فاعتز به الإِسلام(1).
إسـلامه:كان عمر رجلاً قوياً مهيباً وكان يؤذي المسلمين ويشتد عليهم قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو ابن عم عمر وزوج أخته فاطمة بنت الخطاب: "واللّه لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإِسلام قبل أن يسلم ".
وهكـذا ربط عمر سعيداً بسبب إسلامه ليصده عن دينه، ولكن شدته الظاهرة كانت تكمن خلفها رحمة ورقة فقد أخبرت أم عبد اللّه بنت أبي حثمة- وهي من مهاجرة الحبشة- قالت: "واللّه إنا لنرتحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف – وهو على شركه وكنا نلقى من البلاء أذى لنا وشدة علينا - فقال: إنه للانْطِلاق يا أم عبد الله؟ فقلت نعم واللّه، لنخرجن في أرض اللّه آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اللّه مخرجاً فقال صحبكم اللّه، ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه- فيما أرى- خروجنا قالت: فجاء عامر بحاجته تلك. فقلت له: يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا قال: أطمعت في إسلامه؟ قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب قالت: يأساً منه(2) لما كان يرى من غلظته وقوته على الإسلام. ويبدو أن حدس(3) المرأة كان أقوى فقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و سلم يدعو اللّه أن ينصر دينه به.
فعن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أن رسول اللّه صلى الله عليه و سلم قال: "اللهم أعز الإِسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال: وكان أحبهما عمر"(4).
فاستجاب اللّه دعاءه فأسلم عمر، وكان ذلك عقب الهجرة الأولى فاعتز به الإِسلام وصلى المسلمون بالبيت العتيق دون أن يتعرض لهم المشركون.
قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه-: "مازلنا أعزة منذ أسلم عمر". وقال أيضاً: "لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى بالبيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا" وقال: "إن إسلامه كان نصراً"(5).
صفاته وفضله:بعد أن أسلم عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- تعرض له المشركون وقاتلهم وقاتلوه، وقد عُرف في الجاهلية بالفصاحة والشجاعة، وعرف في الإسـلام بالقـوة والهيبـة والـزهد والعدل والرحمة والعلم والفقه، وكان مسدد(6) القول والفعل، وقد وافقه القرآن في عدة مواقف منها أ- اتخاذ مقـام إبـراهيم مصلى 2- وحجاب أمهات المؤمنين 3- ونصحه لأمهات المؤمنين. وقد بشره الرسول لمجده بالجنة وبشره بالشهادة(7).
بيعتـه:إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد شار إلى المسلمين إشارة كي يتولى أبو بكر الخلافة فإن أبا بكر قد أوصى بها وصاية إلى عمر بن الخطاب – رضي اللّه عنه – وكان أبو بكر قد استشار الناس في ذلك فوكلوه لاختيار خليفة له فأمر أن يجتمع له الناس فاجتمعوا له فقال:
"أيها الناس قد حضرني من قضاء اللّه ما ترون وإنه لابد لكـم من رجـل يلي أمركـم ويصلي بكـم، ويقاتل عدوكـم، ويأمركـم، فإن شئتم اجتهدت لكـم رأيي، واللّه الذي لا إله إلاّ هو لا آلوكـم(8) في نفسي خيراً، فبكى وبكى الناس، وقالوا يا خليفة رسول اللّه أنت خيرنا وأعلمنا فاختر لنا، قال: سأجتهد لكم رأي، وأختار لكم خيركـم إن شاء اللّه "(9).

ودعا أبو بكر عثمان بن عفان فقال: اكتب بسم اللّه الرحمن الرِحيم، "هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاَ منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب.
إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل اللّه ورسوله ودينه ونفسي وإياكـم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، فإن بدل فلكل امرىء ما اكتسب من الإِثم، والخير أردت ولا أعلم الغيب، سيعلم الـذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته "(10).
أسلوبه في الحكم:سار عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- في الحكـم على منهج سلفه أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- فعندما بويع بالخلافة بعد وفاة أبي بكر صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إني داع فأمنوا. اللهم إني غليظ فَلَيِّني لأهل طاعتك بموافقة الحق، ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة(11) والنفاق من غير ظلم مني لهم ولا اعتداء عليهم. اللهم إني شحيح فسخني في نوائب(12) المعـروف قصـداً من غير سرف ولا تبـذير ولا رياء ولا سمعة واجعلني أبتغي بذلـك وجهـك والـدار الآخرة. اللهم ارزقني خفض الجناح(13) ولين الجانب للمؤمنين "(14).

و يتضح أسلوبه في الحكم من خلال خطبته المشابهة لخطبة أبي بكر - رضي اللّه عنه-.
وقد أظهر عمر في خلافته حسن السياسة والحزم والتدبير، والتنظيم للإِدارة والمالية، فرسم خطط الفتح وسياسة المناطق المفتوحة والسهر على مصالح الرعية وإقامة العدل في البلاد. وكان لا يَستحلُّ الأخذ من بيت المال إلا حلّةً للشتاء وأخرى للصيف وناقة لركوبه، وَقُوته كقُوت رجل متوسط الحال من المهاجرين، وخطبه ورسائله إلى الولاة والقادة تعبر بدقة عن شعوره العميق بالمسؤولية تجاه الدين والرعية مع حسن التوكل على اللّه والثقة بالنفس(15).
أهم أعمال عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه-:بدأ عمـر بن الخـطاب- رضي اللّه عنـه- بتنظيم الدولة الإِسلامية بعزيمة قوية لا تلين وذلك ليستطيع مواجهة مشكلات الحياة ومتطلبات الظروف الجديدة خاصة عندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وإليك أهم أعـماله – رضي اللّه عنه -:

أ- 
دَوَّنَ الـدَّواوين فأسس ديوان الجنـد الـذي يشبـه في أيامنا وزارة الدفاع، وديوان الخراج الذي يشبه وزارة المالية.
2- 
أنشـأ بيت مال المسلمـين وعـين القضاة والكتّاب وجعل التاريخ الهجري أساس تقويم الدولة الإِسلامية كـما نظَّم البريد.
3- 
اهتمامه بالرعية فمن ذلك تفقده أحوال المسلمين وعسّه بالليل (16).4- 
أبقى الأراضي المفتوحة بأيدي أهلها الأصليين بدلا من تقسيمها بين المحاربين على أن يدفعوا عنها الخراج.
5- 
قسَّم البلاد المفتوحة إلى ولايات وعَيّن على كل ولاية عاملا له راتب محدد يأخذه من بيت مال المسلمين وكان يختار الولاة ممن يُعرفون بالتقوى وحسن الإدارة دون النظر إلى أحسابهم وأنسابهم.
6- 
أمر بإنشـاء عدة مدن في البـلاد المفتوحة مثلِ البصرة والكوفة في العراق والفسطاط في مصر وغيرها لتكون مركزاَ للدولة الإسلامية في تلك البلاد.الفتوحات في عهده:
كان من اهتـمامات الفاروق- رضي اللّه عنه- مواصلة الجهاد ونشر الإِسلام والاستمرار في الفتح الذي بدأ في عهد أبي بكر- رضي اللّه عنه- لبلاد الفرس والروم وقد كانت هذه الفتوحات كـما يلي:
أ- فتح العراق وبلاد فارس:وَجَّه عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- هَمَّه لفتح العراق وبلاد فارس بعد أن اطمأن على سلامة وضع الجيش الإسلامي في بلاد الشام.

وقـد بلغ من أهمية هذا الأمر (وهو فتح العراق وفارس) في نظر الخليفة أنه رَغِب في أن يقود الجيش بنفسه ولكن جمهرة المسلمين أشارت عليـه بالبقـاء وأن يَنّـدُب لذلك رجـلاً من كبار الصحابـة فوافق عمر - رضي اللّه عنه- على ذلك واستقر الرأي على سعد بن أبي وقاص - رضي اللّه عنه -.
ب- موقعة القادسية سنة 15هـ:قصد سعد بن أبي وقاص- رضي اللّه عنه- العراق وهي حينئذ جزء من دولـة الفـرس الكـبرى وكـان خير مثال للقيادة السديدة والسياسة الرشيدة المؤمنة... وِلما أحس الفرس بالخطر القادم عليهم جمع مَلِكَهم (يزدجرد) جيشاً كثيراَ قَدَّرَه المؤرخون بثمانين ألفا من الجنود المدربين في أحسن عُدَّة وعَتَاد... وكان قائدهم عسكرياً مجرباً هو (رستم) وكان مع الجيش ثلاثة وثلاثون فيلاً.
ولمّا تقابل الجيشان طلب رستم من سعد- رضي اللّه عنه- أن يبعث إليه برجل عاقل عالم يسأله، لأنه كان متعجباً من هؤلاء العرب ما الذي غيّرهم وقد كانوا خاضعين للفرس وكانت ترضيهم كميات من الطعام حين يجوعـون ويهـاجمـون؟ فبعث إليه سعد- رضي اللّه عنه- رجالا من الصحابة- رضي اللّه عنهم- كان من بينهم ربعي بن عامر- رضي اللّه عنه- فدخل عليه وقد زيّنوا مجلسه بالنمارق(17) المذهبة ومفارش الحرير و أظهروا اليواقيت والـلآلى الثمينـة والزينة العظيمة وعليه تاج يبهر الأبصار وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعي- رضي اللّه عنه - بثياب رثة وسيف وترس(18) وفرس قصيرة فلما رأى زينتهمٍ وانتفاخهم أراد أن يظهر استخفافه بمظاهرهم الكاذبة فدخل بفرسه راكبا عليها حتى داس بها طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض وسائدهم الثمينة، وأقبل عليهم رافع الرأس ثابت الخطى وعليه سلاحه ودرعه وخوذته على رأسه فقالوا له: ضع سلاحك، فقال بعزة: إني لم آتكـم وإنـما دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: اْئذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق أكثرها. فقال: رستم ما جاء بكم؟ فقال: اللّه ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللّه، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور(19) الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضى إلى موعد اللّه.

قال: ومـا موعـد اللّه؟ قال: الجنـة لمن مات على قتال من أبى، والظفر(20) لمن بقي، فطلب رستم الإمهال فأبوا أن يمهلوه أكثر من ثلاثة أيام وبعد ذلك التقى الجيشان واقتتلوا قتالا شديداً طَوَال يومهم وأكثر ليلهم واستمروا ثلاثة أيام عانى فيها المسلمون كثيراً من هذه الأفيال التي كانت تُفْزع خيولهم العربية التي لم تتعود رؤيتها ولكن الأبطال المؤمنين صبروا وقَاَتلوا حتى تم النصر لهم بتوفيق اللّه وعنايته بعباده المؤمنين.
وفي اليوم الرابـع بعث اللّه ريحاً شديدة فدمرت معسكر المجوس وهربوا في كل مكان وقتل قائدهم، وقتل منهم عشرة آلاف واستشهد من المسلمين حوالي ألفان وخمسمائة شهيد تقريباً.
وبهذه المعركة الفاصلة أيّد اللّه سبحانه دينه ورفع كلمته وهابت(21) العرب والعجم المسلمين وانتشر هدي الإِسلام وعدله وتقلص(22) ظلام الكفر والشرك(23).
جـ- فتح الشام:علم الروم بدخول الجيوش الإِسلامية أرضهم، فكتبوا إلى هرقل وكـان بالقـدس، فقال هرقل: أرى أن تصالحوا المسلمين، فو اللّه لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقى لكـم نصفه مع بلاد الروم أحب إليكـم من أن يغلبوكـم على الشام ونصف بلاد الروم.
وأغضبت هذه النصيحة قواد الروم، وظنوا أن الأمبراطور قد وَهَنَ(24) وضعف وسيسلم البلاد للغزاة الفاتحين والحق أن هرقل قد ضعف أمام غضبـة قواده وعزم على قتـال المسلمـين معٍ يقينه بالهزيمة وجمع هرقل الثائرين وتوجه إلى حمص وهناك أعد جيشا ضخم العُدد كثير العَدد(25) لمواجهة المسلمين.
د- معركة اليرموك سنة 15 هـ:بعـد أن رأى هرقـل، ملك الروم انتصـارات المسلمين حشد ما استطاع حشده من قوات وجعل قيادتها لأخيه، واجتمعت تلك القوات الرومية عند نهر اليرموك، أحد روافد نهر الأردن، ونزل جيش المسلمين،

بقيادة أبي عبيدة قبالة الروم، وقد كلَّف أبو عبيدة -خالد بن الوليد بتنظيم جيش المسلمين فرتب خالد الجيش ترتيباً ممتازاً لم يعهده العرب من قبل. وهجم فرسان المسلمين ببسالة على الروم حتى فصلوا بين فرسان الجيش الرومي ومُشَاتـه. وانسحب فرسـان الروم بعد أن سقط منهم آلاف بضربـات فرسـان المسلمين الشجعان. ثِم انقضّ المسلمون على مشاة الروم الذين أخذوا يتساقطون قتلاً أو غرقاَ في النهر. فكان النصر المؤزر حليف(26) المسلمين. وقد قُتِل في معركة اليرموك أكثر من مائة ألف من الروم واستشهد فيها حوالي ثلاثة آلاف من المسلمين(27).
هـ- فتـح مصـر:كانت مصر في ذلـك الحـين من ممتلكـات الروم وكـانت تدين بالنصرانية وهي الديانة التي كان يعتنقها الروم ولكن الروم كان يسيئون إلى المصريين مع أن دينهم واحد فكانوا يرهقونهم بالضرائب حتى وصل الأمر بهم إلى أن يفرضوا الضرائب على الموتى فلا يسمحون بدفن الميت إلا بعد أن يدفع أهله ضريبة.
سار عمرو بن العاص متجهاً من الشام إلى مصر وكان معه من جنود المسلمين أربعة آلاف واخترق بهم رمال سيناء حتى وصل إلى العريش في آخر سنة 18هـ وفتحها دون مقاومة لأنه لم يكِن بها حامية(28) رومية ثم سار "حتى وصـل إلى "الفرما"(29) فحاصرها شهراَ ونصف الشهر حتى تم له فتحها في أول سنة 19هـ وكان أهل مصر يساعدون المسلمين في هذا الحصار ثم تقدم عمرو إلى (بلبيس) فاستولى عليها بعد شهر لم ينقطع فيه القتال… ثم سار إلى "أم دنين"(30) فنشب القتال وتحصن الروم في حصون باب اليون وكان من أمنع الحصون فحاصرهم المسلمون حتى تم لهم النصر بعون اللّه تعالى وتتابع فتح المدن حتى أصبحت مصر ولاية إسلامية(31).
استشهاد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه -:استشهد عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- على يد فيروز غلام المغيرة بن شعبة ويلقب أبا لؤلؤة وكان مجوسياً قتله بخنجر له رأسان طعنه به ست طعنات أحدها تحت سُرَّته وهي التي قتلته وكان ذلك في صلاة الفجر عندما كبر للصلاة من اليوم الثالث والعشرين من ذي الحجة من السنة الثالثة والعشرين من الهجرة وهرِب فيروز وأخذ يطعن بخنجره كل من يمر به حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ما يزيد على النصف وعندما أَحَسَّ أبـو لؤلؤة أنه مأخوذ لا محالة أقدم على الانتحار(32) بخنجره ذاتها فَحُمِلَ الخليفة إلى بيته وبقي ثلاثة أيام بعد طعنه ثم توفي يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
وقد غسّله وكفّنه ابنه عبد اللّه وصلى عليه ثم دفن بجانب صاحبيه، وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر رضي اللّه عنه وأرضاه وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء.



(1) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور أكرم ضياء العمري ص 66.
(2) يأساً: أي انقطع رجاءه فيه.
(3) حدس. الظن أو الفراسة.
(4) رواه الترمذي في المناقب، باب منـاقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه 5/617 رقم 3681، فتح الباري لابن حجر 7/48، صحيح الترمذي للألباني 3/304 برقم 2907.
(5) انظر إسلام عمر – السيرة النبوية الصحيحة – للدكتور / أكرم ضياء العمري 1/177-178 بتصرف وعزو الآثار فيه.
(6) مسدد: أي صائب القول.
(7) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور / أكرم ضياء العمري ص 67.
(8) لا آلوكم: أي لا أقصر في النصح لكم.
(9) الإمامة والسياسة، الدينوري 1/25.
(10) الخلفاء الراشدون، للدكتور أمين القضاة ص 46.
(11) الفسق والخبث والفجور.
(12) النوائب جمع نائبة وهي ما ينـزل بالرجل من الكوارث والحوادث المؤلمة
(13) الجناح: الآن جانبه وتواضع.
(14) العقد الفريد جـ 4 ص 65 لابن عبد ربه الأندلسي.
(15) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور/أكرم ضياء العمري ص 68.
(16) عسه: أي طاف بالليل يكشف عن أهل الريبة.
(17) النمارق: جمع نمرقة وهي الوسادة الصغيرة.
(18) ترس: الترس ما يتوقَّى به في الحرب.
(19) جور. أي ظُلم.
(20) الظفر. أي فاز به وناله.
(21) هابت: أي خافت.
(22) تقلص: أي نقص.
(23) الخلفاء الراشدون والدولة الأموية، من مطبوعات جامعة الإِمام، إدارة التخطيط والمناهج.
(24) وهن: أي ضعُف.
(25) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين، د. محمد السيد الوكيل ص 58.
(26) حليف. الحليف أي المتعاهد على التناصر والمقصود هنا مع المسلمين.
(27) السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين، عبد الله الصالح العثيمين ص 86.
(28) الحامية. الجزء من الجيش.
(29) موقعها الآن مدينـة بور سعيد.
(30) وهي قرب محطة سكة حديد القاهرة.
(31) الخلفاء الراشدون والدولة الأموية، من مطبوعات جامعة الإمام، إدارة تطوير الخطط والمناهج.
(32) انتحر: أي قتل نفسه.

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م