الأربعاء، 10 أبريل 2013

الأربع المهلكات


عن عليوأرضاه قال: حدثني رسول اللهبأربع كلمات((لعن الله من ذبح لغير الله، لعن
الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثًا، لعن الله من غير منار الأرض)).
"حدثني رسول الله" فنعم المحدِّث ونعم المحدَّثوأرضاه، حدثه بأربع كلمات اشتملت على هذه اللعنات، فيهن
موبقات مهلكات، اشتملت على أذية المؤمنين والمؤمنات وإضاعة حق فاطر الأرض والسموات.
"لعن الله" ومن لعنه الله فقد أبعده من رحمته وطرده من دار كرامته وجنته، من لعنه الله أعمى قلبه وأشقى حياته ونغّص عيشه ونكده عليه، من لعنه الله غضب عليه سبحانه وتعالىومن يحلل عليه غضبي فقد هوى[طه: 81].قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت[المائدة: 60].
لا حول للعبد ولا طول، ولا قوة له أن يقف أمام لعنة الله جل جلاله، وإذا حلت لعنة الله على العبد لم يبق شيء في السموات والأرض إلا لعنهأولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون[البقرة: 159].
أما الأمر الأول: فقوله صلوات الله وسلامه عليه:((لعن الله من ذبح لغير الله)).
سبحان من خلق الخلق بقدرته، خلق لنا البهائم وسخرها برحمته ولطفه، سخَّر لنا لحمها، سخر لنا خيرها، سخر لنا أن نحمل عليهاوتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس[النحل: 8].والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة[النحل: 8].
سخر لنا الإبل والبقر والغنم رحمة منه سبحانه ذي الجود والكرم، سخر لنا لحمها، سخر لنا ألبانها وأصوافها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين، فلو نظرت إلى خلقة البعير عظم الله جل جلاله في قلبك وقلت بملء القلب: سبحان العظيم الديان.
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقتوإلى السماء كيف رفعتوإلى الجبال كيف نصبتوإلى الأرض كيف سطحت[الغاشية: 17 ـ 20].
فذكر الإبل قبل السموات والأرض والجبال. هذا الحيوان الضخم العظيم سخره الله لابن آدم، كل ذلك منه ذو الفضل والتكريمسخره للإنسان حتى إن الطفل الصغير يمسك بزمام البعير يقوده حيث شاء بقدرة الله جل جلاله، سخر لنا ألبانها طعامًا وغذاء، سخر لنا حتى أبوالها فأبوال الإبل شفاء ودواء. سبحان ذي العظمة والجلال، سبحان ذي الوحدانية والكمال، سخرها سبحانه وتعالى فسخر ظهورها وسخر جميع ما يكون منها حتى أرواثها سمادًا وصلاحًا لمصالح العباد.
كل ذلك لنذكره مع الذاكرين ونشكره مع الشاكرين، تبارك الله رب العالمينلتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون[الزخرف: 13 ـ 14].
سخرها؛ لكي تحيا قلوبنا بذكر الله وتعمر ألسنتنا بشكره وحمده جل جلاله، فإن حمدناه شكر منا الحمد، والشاكر وهو الذي يجزي الشاكرين.
فإذا أراد العبد أن يذبحها وأن يريق دماءها أخذ الله عليه العهد أن يجعل ذبحها لوجهه وأن يجعل إراقة دمائها على الأرض له سبحانه جل جلاله، فلو أراق قطرة دم واحدة وقصد بها غير الله جل جلاله، فقد ضل ضلالاً بعيدًا، أشرك بالله جل جلاله، لو أراق قطرة من دم تقربًا لغير الله فقد أشرك بالله وحرم عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار.
حق لله جل جلاله لا يأذن به لأحد سواه، ولما أراد النبيأن يُضحي قال صلوات الله وسلامه عليه:((بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبل هذا من محمد وآل محمد)).
((اللهم هذا منك))أنت الذي خلقته، وأنت الذي أوجدته، وأنت الذي أجريت الروح في هذا الجسد، وكذلك هو لك سبحانك جل جلالك وتقدست أسماؤك.
فمن أراق دماءها لغير الله فقد كفر بالله والعياذ بالله، وإن مات على هذا الاعتقاد فإن الجنة عليه حرام نسأل الله السلامة والعافية.
هذا البلاء العظيم: الذبح لغير الله قد لا يقع بصورة واضحة، ولكنه يقع عند كثير من الناس بصورة خفية بسبب ما يُدلِّسُه الشيطان ويُلَبسُه عليهم.
ومن أعظم ما عمت به البلوى وعظمت به الشكوى، ذبح كثير من الناس عند بناء البيوت والعمائر والفلل والمساكن يذبحون ما شاءوا من بهيمة الأنعام يلطخون أبواب الدور، ويعتقدون في ذلك دفعًا لأذى الشياطين والجن.
سبحان الله العظيم، من الذي بيده ملكوت كل شيء, وهو يجير ولا يجار عليه؟ من الذي يغيث؟ من الذي يعيذ؟ هو الملاذ والمعاذ سبحانه جل جلاله، يريقها لمن لا يملك له نفعًا ولا ضرًا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا. تعالى الله عما يشركون.
فلا يجوز إراقة مثل هذه الدماء. ومثل هذه الدماء محرمة فلا يجوز لإنسان أن يطعمها؛ لأنها من الفسق الذي أهل به لغير الله.
حقوق الله عظيمة. حقوق الله في توحيده والإيمان به سبحانه والإخلاص لوجهه عظيمة لا يأذن أن يُصرف منها شيء لأحدٍ كائنًا من كان، ولو كان ملكًا مقربًا أو نبيًا مرسلاً، فحق الله لله، ولا إله إلا الله.
أما الكبيرة الثانية عباد الله فلعن الوالدين.
ومن هذا الذي يستطيع أن يلعن أباه أو أمه؟ من هذا الذي عنده الجرأة حتى يرفع وجهه في وجه أبيه فيلعنه ـ والعياذ بالله ـ قالوا: يا رسول الله، ويلعن الرجل والديه؟ قال:((نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)).
سبُّ آباء الناس وسب أمهاتهم يتسبب في سب والديك فإياك أن تلعن آباء الناس فيُلعن آباؤك وإياك أن تلعن أمهاتهم فتلعن أمهاتك. فاتق الله جل جلاله في والديك.
من الناس من جعله الله رحمة لوالديه يحسن إلى الأيتام، ويحسن إلى الأرامل والضعفة من بني الإسلام فيترحمون على والديه فيكون مفتاح خير عليهم في الدنيا والآخرة.
ومن الناس من هو شقي طريدٌ يؤذي الناس حتى يكون سببًا في لعن والديه. نسأل الله السلامة والعافية من لعن والديه أصاب العقوق، ومن أصاب العقوق لم يأمن من سوء الخاتمة ـ والعياذ بالله ـ قال:((لا يدخل الجنة عاق)).
قال بعض العلماء:((لا يدخل الجنة عاق))أي أن الله لا ييسر للعاق حسن الخاتمة، بل يموت على سوء الخاتمة فيدخل النار والعياذ بالله.
الكبيرة الثالثة: إيواء المحدثين((لعن الله من آوى محدثًا)).
المحدث: هو المجرم الذي أحدث الفساد في الأرض.
كانت العرب في الجاهلية يقدم السفاحون على سفك الدماء فيذهبون إلى قراباتهم إلى أبناء العم، وإلى القبيلة والعشيرة فيجتمعون حولهم ويحفظون هذا القاتل ويدافعون دونه. كل ذلك حمية وعصبية وظلمًا وعدوانًا, فلعن الله ولعن رسولهمن آوى المجرمين ونصرهم وآزرهم ووقف معهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
كيف تستقيم الحياة, وكيف يطمئن الناس إذا أصبح المجرمون في مأمن مع ما يأتون ويفعلون من الجرائم والفواحش والمنكرات؟ بهذا تسود الفوضى ويصبح الناس في قلق عظيم وبلاء عميم.
فإياك أن تناصر الظالمين، وإياك أن تجادل عن الذين يختانون أنفسهم فتكون معهم وتحشر في زمرتهم ـ والعياذ بالله ـاحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدونمن دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم[الصافات: 22، 23].
احشروا الذين ظلموا ومن ناصروهم ومن آزروهم وكانوا معهم، فإياك أن تكون للظالمين معينًا أو ظهيرًا.
إيواء المحدثين أشد ما يكون في الحرم الذي حرمه الله ورسولهومن ذلك حرم المدينة قال:((المدينة حرم من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً يوم القيامة)).
قال بعض العلماء: "لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً، يوم القيامة" أي أن الله لا يقبل منه حسنة واحدة لا صرفًا ولا عدلاً، لا فريضة ولا نافلة. كل ذلك بسبب حرمة المدينة وما لها عند الله جل جلاله من هذا الأمر العظيم.
إيواء المحدثين، في حرم رسول اللهيكون بصور متعددة حتى ولو أجرته بيتك فإنه إيواء للمحدث. إذا علمت أنه ذو شر وأن منه الفساد وأنه ينشر الفحشاء وأنه يتخذ من بيتك وسيلة لإيذاء المؤمنين ونشر الفواحش بينهم فإنك ممن آوى محدثًا في حرم رسول الله. فاتق الله جل جلاله.
إيواء المحدثين، إيواء أعداء الله وأعداء رسول اللهأو أعداء صحابته رضوان الله عليهم فليتق الله المسلم وليعلم أن الله سائله عما يكون منه ويذر.

الكبيرة الرابعة عباد الله: تغييرُ منار الأرض.
يقول:((لعن الله من غير منار الأرض)).
منار الأرض هي العلامات التي يهتدى بها الناس في أسفارهم، ويهتدي بها الغريب، إذا نزل في المدينة أو القرية اهتدى بهذا المنار كأن تكتب أسماء المحلات أو أسماء الأحياء أو أسماء المدن والقرى، فمن أزال هذه الأسماء فإنه يكون سببًا في ضلال الغريب وتعبه وعنائه ولربما يكون سببًا في هلاكه خاصة إذا كان في السفر.
ولا شك أن هذا الأمر موجود في عصرنا الحاضر فبعض من الناس أصلحهم الله يقدمون على اللوحات الإرشادية فيعبثون بها فتارة يطمسونها وتارة يحرفونها، وتارة يبدلونها، فلعن الله من فعل ذلك من غير هذه المعالم وهذه المنارات يقول العلماء: عليه لعنة الله جل جلاله, وهذا هو الذي عناه النبيبقوله:((لعن الله من غير منار الأرض))أي العلم والأمارة التي يهتدي بها الناس.
قال بعض العلماء: لو كان هناك حجر أو صخرة في الطريق يعرف الناس أن هذه الصخرة هي نهاية بلدة كذا أو دليلاً على قرية معينة أو دليلاً على طريق معين فحرفها أصابته اللعنةـ والعياذ بالله ـ فكيف بطمس العلامات وتغيير المنارات وأذية المؤمنين والمؤمنات.
لو كنت في سفر واحتجت إلى الدليل ووقفت أمام هذه العلامات والأمارات مطموسة أترضى هذا لنفسك؟ أترضاه ومعك أهلك وأبناؤك وأنت في شدة السفر وعناء المؤونة؟ لذلك عظم الله جل وعلا هذه الأذية, لا خير في أذية المؤمنين والمؤمنات.
قال بعض العلماء: من تغيير منار الأرض ما يقع في حدود الأراضي فإن تغيير معالم الأراضي وتقديمها وتصغيرها وتكبيرها وتوسيعها وتضييقها كله من العبث بمنار الأرض, فإذا كان بينك وبين جارك حد فاصل فقدمته أو أخرته فقد غيرت منار الأرض.
العبث في حدود الأرضين سواء كان ذلك العبث على طبيعة الأرض أو كان داخل الصكوك ونحوها من الحجج، فكل ذلك من العبث وتغيير منار الأرض الذي لعن الله جل جلاله من فعله فاتقوا الله يا عباد اللهواتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون[البقرة: 281] من أصابته لعنة الله جل جلاله فإنه قد أصاب كبيرة من كبائر الذنوب.
قال العلماء: هذه الأربعة الأمور: الذبح لغير الله، ولعن الوالدين, وإيواء المحدثين, وتغيير منار الأرض، من فعلها ولم يتب منها.
أما الأول منها فإن الجنة عليه حرام ـ والعياذ بالله ـ فمن مات وهو يذبح للجن أو يتقرب لهم أو يخاف منهم فإنه ـ والعياذ بالله ـ، قد خسر خسرانًا مبينًا, وكان من المشركين ـ والعياذ بالله ـ فإن تاب تاب الله عليه والله غفور رحيم.
وأما إذا لعن والديه أو آوى محدثًا أو غير منار الأرض فإنه إذا مات على هذا الذنب العظيم ولم يتب فإنه تحت مشيئة الله جل جلاله فإن شاء الله أن يعذبه كبكبه في نار جهنم ـ والعياذ بالله ـ فأصاب من عذاب الله وسخطه على قدر ما أصاب من حدوده، وإن شاء الله عفا عنهولا يسأل عما يفعل وهم يسألون[ الأنبياء: 23].يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب[ الرعد: 41].
الفائدة الأخيرة: التي نأخذها من هذا الحديث في أمر عمت به البلوى وهي الشفاعة في القتلة، فقد يقع القتل من إنسان باغ معتد فإذا وقع قتل العمد الذي فيه القصاص فينبغي النظر في هذا القتل: إن كان هذا القاتل قد تاب وتغير حاله وأناب شرعت الشافعة وشرعت الحمية الطيبة, وكذلك صلة الرحم. ويجوز لقرابته وقبيلته أن تقف معه حتى يسامح أولياء المقتول فإن سمحوا فالحمد لله وهي شفاعة مأجورة غير مأزورة. وأما إذا كان معروفًا بالفساد معروفًا بالإجرام والعناد وعلمت أنه لم يتب وعرف من حاله أنه إذا شفع فيه رجع إلى حالته فحرام أن يشفع في هذا.
قال بعض العلماء: القتلة الذي يعرفون بسفك الدماء والجرائم والسوابق إن كانوا ثابتين على ما هم عليه فلا يجوز لأحد أن يشفع لهم، ومن شفع لهم وخرجوا من حالهم فإنهم إذا فعلوا الجرائم فهو شريك لهم؛ لأنه تسبب في إعانتهم على الفساد.

الشيخ: محمد بن محمد المختار الشنقيطي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م